اقتصاد الخدمة الذاتية- استغلال جديد أم رأس مالية مقنعة؟

المؤلف: مي خالد11.25.2025
اقتصاد الخدمة الذاتية- استغلال جديد أم رأس مالية مقنعة؟

إنَّ اقتصادَ الخدمةِ الذاتية، أو ما يُمكنُ تسميتُه بـ "العبوديةِ العصرية"، باتَ يُشكلُ بصمةً واضحةً لعصرِنا الحالي. ففي المملكةِ العربيةِ السعودية، كانَ ذلك المتجرُ الشهيرُ للأثاثِ الذي لا يُقدمُ خدمةَ التركيبِ بمثابةِ الشرارةِ الأولى التي أطلقتْ هذا التوجه. وسرعانَ ما تبعتْه العديدُ من الشركاتِ والمتاجرِ وسلاسلِ المطاعمِ المعروفة.

في أرجاءِ أوروبا وأمريكا، بلْ وفي جميعِ أنحاءِ العالمِ المتقدم، سيجدُ المسافرُ نفسَهُ مُجبراً على خدمةِ نفسِه بمجردِ أن تطأ قدماه أرضَ المطار. إذْ يتحولُ الزبونُ إلى مُقدمِ خدماتٍ مجانيةٍ لأصحابِ المحالِ التجارية، دونَ أن يتقاضى على ذلك أجراً.

في المقابلِ، وبينما يتوقعُ المستهلكُ أن تُقدمَ الشركاتُ أنظمةَ ردٍ آليٍ فعالةً وسريعةَ الاستجابةِ لرسائلِه وشكواهه، سواءً عبرَ البريدِ الإلكتروني أو تطبيقاتِ التواصلِ الاجتماعي، نجدُ أنَّ العديدَ من الشركاتِ تُهملُ هذا الجانبَ أو تُؤجلُ تطويرَه، بلْ وتسعى جاهدةً لتقليصِ أعدادِ الموظفينَ ومقدمي الخدماتِ، وتحويلِ المستهلكِ إلى شخصٍ يقومُ بخدمةِ نفسِه بنفسِه.

إنَّ الخدمةَ الذاتيةَ ليستْ بالضرورةِ أسرعَ أو أفضلَ من الخدمةِ التقليديةِ، بلْ هي مجردُ أداةٍ رأسماليةٍ ذكيةٍ تقتطعُ جزءاً من وقتِ وجهدِ العميلِ لتحقيقِ مكاسبَ ماليةٍ إضافية.

الرأسماليةُ، التي تنطلقُ من ثوابتِها أغلبُ الشركاتِ إن لم يكنْ جميعُها، ترى أنَّ الإنجازَ الحقيقي والنجاحَ الباهرَ يكمنُ في تحقيقِ أرباحٍ طائلةٍ دونَ الحاجةِ إلى توظيفِ أعدادٍ كبيرةٍ من الموظفين. فوجودُ الموظفينَ يُعتبرُ عبئاً ثقيلاً، لأنهم يطالبونَ بأجورِهم ومستحقاتِهم في نهايةِ كلِ شهر. لذا، فإنَّ الحلَّ الأمثلَ يكمنُ في تحويلِ المستهلكِ إلى موظفٍ غيرِ مدفوعِ الأجر، ويا لهُ من إنجازٍ عظيمٍ لو تمَّ إقناعُه بدفعِ رسومٍ مقابلَ هذهِ الخدمةِ الذاتية!

بشكلٍ عام، لا أرى أنَّ "التقدمَ" الذي أحرزتهُ البشريةُ يمثلُ تقدماً حقيقياً على الإطلاق، بلْ هو مجردُ صعودٍ للحياةِ الاصطناعيةِ التي باتتْ تُهيمنُ على حياتِنا. وهو صعودٌ سريعٌ واندفاعيٌ، وغيرُ محسوبِ العواقبِ بشكلٍ دقيق.

لم يعدِ الإنسانُ المعاصرُ سيداً لمصيرِه أو لِرفاهيتِه، بلْ أصبحَ خادماً مُطيعاً للحياةِ الاصطناعيةِ وعبداً للشركاتِ والمؤسساتِ الماليةِ والبنوك.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة